لم أرَ باسم يوسف يستهزئ بعالم واحد، وكل من أصابهم بسهامه كان أولى بنا منذ زمن أن نحاسبهم على ازدراء الإسلام، لا أن نرفعهم إلى مكانة العلماء، هؤلاء المرضى الذين احترفوا التأويل الكاذب والانتقاء المغرض من التراث، بحيث يبدو لمن يتابعهم أن الله ورسوله هما من أمر بالسب والقذف والخوض فى الأعراض والله برىء منهم ورسوله، والمؤمنون، حين أشاهد «باسم» ذاك الذى رزقه الله من اسمه نصيباً، أتذكر النعيمان بن عمرو صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذى لقبوه بالضحاك، من كثرة مزاحه وطرفه.
تروى أم سلمة أن أبابكر خرج فى تجارة ومعه النعيمان، وسليط بن حرملة -وكلاهما ممن شهد بدراً- وكان سليط هو المسئول عن تدبير الطعام، فبينما هم فى استراحة، إذا بنعيمان جاع، فطلب من سليط أن يطعمه فأبى عليه ذلك إلا بعد عودة أبى بكر الذى خرج لبعض شأنه، فاغتاظ نعيمان، وتوعده، وفى سفرهم مروا بقوم من العرب فاختلى بهم نعيمان وقال لهم: أتشترون منى عبداً، قالوا: نعم، فأشار نعيمان على صاحبه وقال: إن هذا عبدى وله كلام فسوف يقول لكم لست عبداً، فإذا كنتم ستصدقونه فلا داعى لهذه الصفقة، قالوا: بل نشتريه ولا نكترث لقوله، فدفعوا إليه عشرة من الإبل ثم جاءوا معه ليستلموا الصفقة، فامتنع سليط وقال للقوم إنه يستهزئ بى، فلم يصدقوه وأخذوه بالقوة ووضعوا فوق عنقه عمامة كعادة زى العبيد.
ولما حضر أبوبكر وأخبروه لحق بالقوم وأكد لهم أن صاحبه يمزح ورد عليهم إبلهم، فلما قدموا على الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقصوا عليه ما حدث، ضحك النبى الكريم وأصحابه، وظلوا يضحكون عاماً كاملاً كلما تذكروا هذه الواقعة!
عام كامل يضحك النبى وأصحابه على بيع صحابى شهد بدراً، وله من الإجلال والتقدير ما لأهل بدر، ولا يصفون من فعلها بالتافه أو المهرج أو الأراجوز، إنما يحبونه ويتفهمونه، ويقول عنه النبى «يدخل الجنة وهو يضحك»!
هذه الرواية ليست دفاعاً عن «باسم يوسف» لأنه كما أسلفت لم يتعرض لعالم حقيقى يستحق الاحترام أو القياس على صحابى جليل مثل سليط، إنما هى دفاع عن تراث عظيم يوشك الناس أن ينصرفوا عنه ويلحدوا بآياته بسبب هؤلاء الذين ينتقدهم «باسم» ويكشف عن حماقاتهم الغطاء.
أما باسم يوسف فما أراه يفعل إلا ما فعل معاذ بن عمرو بن الجموح مع أبيه كى يقنعه بالإسلام، وكان أبوه قد اصطنع صنماً أقامه فى داره، فإذا جاء الليل تسلل معاذ بن عمرو ومعه صديقه معاذ بن جبل وحملا الصنم ورموه فى حفرة قمامة، فيغضب الأب، ثم يقوم بغسل الصنم وتطهيره، فإذا جاء الليل أعاد الصديقان ما فعلا، حتى إذا سئم الأب جاء بسيفه ووضعه فى عنق الصنم وقال له: إن كان فيك خير فدافع عن نفسك! فلما أصبح ووجده فى الحفرة نفسها، أدرك عمرو بن الجموح حقيقة صنمه، وأسلم.
كم نحن بحاجة إلى ألف «معاذ» كى يدرك آباؤنا أنهم يقدسون أصناماً لا تنفع ولا تضر ولا صلة لها بدين الله، وها نحن قد بدأنا وبدأ الناس، فاقتلوا باسم يوسف أو اطرحوه أرضاً، لن يخلُ لكم وجه أبيكم!
No comments:
Post a Comment