الجزء
(1)
الفتوحات
العربيه
علي الرغم من دخول العرب
والإسلام إلي مصر في منتصف القرن السابع الميلادي إلا أن الإسلام لم يدخل إلي
النوبة بشكل رسمي إلا في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي , ولكن بدء من القرن
السابع الميلادي تسللت القبائل العربية إلي النوبة بسبب الاتفاقيات التي ابرمها
الحكام العرب لمصر مع النوبيين ومع قبائل البجة , وسمحت هذه الاتفاقيات بحرية
الحركة للتجار والرحالة وبناء المساجد والإقامة بالنوبة , وانتشر الدين الإسلامي
واللغة العربية بشكل متدرج , وصارت اللغة العربية تستخدم بجانب اللغة النوبية
,وانتشرت بعض القبائل العربية في النوبة مثل قبائل الكنوز في القرن التاسع
الميلادي , وجاءت قبائل العليقات الي النوبة المصرية وقبائل الجعليين و
الرشايدة الي النوبة السودانية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين .
وفي العصر الاسلامي أطلق
علي النوبة المصرية ( النوبة السفلي ) اسم المريس ، وهي المنطقة التي تقع بين
الشلال الأول والشلال الثاني , وكان الجزء الشمالي منه يقع تحت إشراف الخلفاء
الفاطميين , وتمتع باستقلالية إلي حد ما تحت أميرها كنز الدولة في منتصف القرن
الحادي العشر الميلادي , وكانت أهم مدنه الثلاثة أسوان و فرس و حصن أبريم ,
والمعروف ان قبائل الكنوز تنتمي إلي قبائل ربيعة التي أتت من الجزيرة العربية عن
طريق البحر الأحمر وتسللت إلي الصحراء الشرقية شرق مدينة أسوان في العصر
العباسي , وانصهرت هذه القبائل مع قبائل البجا المقيمين في الصحراء الشرقية
, وسيطرت علي مناجم الذهب.
وكان الجزء الجنوبي
للنوبة المصرية تحت إشراف ملوك دوتاو المسيحيين , وظلت هذه المملكة موجودة بعد
انهيار مملكة المقرة في القرن الثالث عشر الميلادي, وكانت العاصمة في جبل عدا (
داو), وعثر في عام 1960 علي مجموعة وثائق كبيرة في قصر أبريم تلقي الضوء حول تاريخ
هذه المملكة , وأيضا العلاقة بين ايبارشية نوباتيا وملك دوتاو في القرن الثاني عشر
الميلادي.
حاول العرب دخول النوبة
وفتحها بالقوة , وتلاقي الفريقان في معركة دنقلة الاولي في صيف عام 642 م بين
العرب بقيادة عقبة بن نافع ومملكة المقرة وكان جيش العرب يضم 20 ألف جندي ولكن
المعركة انتهت بهزيمة العرب وجرح عدد كبير من العرب يبلغ عددهم ما بين 150 إلي 250
جندي , وقد قابل النوبيين العرب بوابل كثيف من السهام وبلغت دقة السهام درجة تصل
إلي حدقة العين مما أصاب عدد من العرب بالعمى , وحاول العرب في بدء المعركة
استخدام السيوف ولكن النوبيين لم يعطوهم الفرصة لذلك , وكانت هزيمة العرب في هذه
المعركة من الهزائم النادرة التي مني بها العرب في القرن السابع الميلادي والذي
شهد للعرب بانتصارات كثيرة.
وفي فترة العشر سنوات
التي تتوسط ما بين زمن المعركة الأولي والثانية ثار النوبيين وهاجموا الحدود
الجنوبية لمصر مما جعل العرب يفكرون في إرسال حملة عسكرية علي النوبة وكانت هذه
الحملة عام 651 م بين العرب بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي السرح وبين النوبيين
الملك قلديروث , وكان عدد جنود الجيش العربي خمسة ألاف جندي , وحاول العرب معالجة
أخطائهم في المعركة الأولي واستخدموا الكرات الملتهبة ( المنجنيق ) وحاصروا مدينة
دنقلة ودمروا كنيستها ولكن الأمر انتهي بنفس نتيجة المعركة الأولي وهي فشل العرب
في دخول دنقلة وكثرة ضحايا العرب من رماة السهام النوبيين , وفي النهاية أوقف
القائد العربي الحرب وفاوض الملك قلديروث في إجراء مفاوضات علي إبرام معاهدة سلمية
وهي ما عرفت باسم البقط.
وبعد أن فشل العرب في
دخول النوبة عسكريا فضلوا عقد معاهدة سلمية , وعرفت هذه المعاهدة باسم "
البقط " وهي كلمة إغريقية تعني " العهد " , ولم تكن بمعني الجزية
لان العرب كانوا يبادلون النوبيين بعض السلع التجارية.
واتفق الطرفان في هذه
المعاهدة علي توثيق العلاقات التجارية بين الطرفان وتبادل القمح والشعير والخمور
والأحصنة والكتان مقابل 360 رأسا من الرقيق ترسلهم النوبة في كل عام , واعتبرت هذه
الاتفاقية نصرا للنوبة واستمر العمل بها طوال ستة قرون، وتضمنت الاتفاقية الشروط
التالية :
1. عدم
اعتداء الطرفين
2.
السماح لمواطني الدولتين ( مصر والنوبة ) بحرية التجارة والسفر والسماح بمرور آمن
بين الدولتين
3. منع
الهجرة والإقامة في الدولتين
4.
تسليم الهاربين من الدولتين
5. عدم
مسئولية مصر عن حماية النوبة إذا هاجمها طرف ثالث
6.
المحافظة علي المسجد الذي بناه المسلمون بدنقلة
7. دفع
360 رأسا من الرقيق لبيت مال المسلمين
وبسبب هذه المعاهدة بدأ
الإسلام يدخل تدريجيا إلي بلاد النوبة , واستمر العمل بها ولكن حدثت مناوشات عدة
بسبب إخلال مملكة المقرة بشروطها ومنها عدم سداد الملك زكريا الثالث بدفع ال360
رأسا من الرقيق بسبب المجاعات التي أصابت مصر , وعندما انتهت المجاعة طالب والي
مصر بسداد المتأخرات مما جعل الملك يرسل ابنه جورج إلي عاصمة الخلافة العباسية في
بغداد عام 835 م ليتفاوض بشكل مباشر مع الخليفة العباسي , واستطاع جورج إقناع
الخليفة في إلغاء المتأخرات بل ويتم سداد البقط كل ثلاث سنوات وليس سنة واحدة ,
واخل النوبيون بشروط البقط في عصر كافور الإخشيدي في عام 956 م , وهجم النوبيون
علي أسوان فأرسل كافور الإخشيدي القائد محمد عبد الله الخازن على رأس جيش كبير
لتأديب النوبة فهزمهم , و سار إلى أبريم واستولى عليها.
في أوائل القرن الثامن
الميلادي وفي عهد الملك النوبي مرقوريوس تم إدماج مملكة نوباتيا مع مملكة المقرة ,
وسجل الملك ذكري هذا الاندماج علي نقش بمعبد طافا , ويطلق المؤرخين الأقباط
للكنيسة المصرية اسم " قسطنطين الجديد " علي هذا الملك بسبب دوره الهام
في الكنيسة النوبية , وحتى ابنه الذي تولي بعده وهو الملك زكريا الأول ترك الحكم
لأنه نذر نفسه للرب , وعين بدلا منه شخصا أخر يتولى شئون مملكة المقرة و نوباتيا.
العصر الفاطمي :
في أوائل القرن الحادي
عشر الميلادي اعترفت الدولة الفاطمية بإمارة الكنوز في أسوان , واستطاعت هذه
الإمارة السيطرة علي كل النوبة السفلي التي تسمي ب المريس , ومنح الخليفة الفاطمي
الحاكم بأمر الله أمير هذه الإمارة وهو أبو المكارم هبة الله لقب كنز الدولة بعد
أن استطاع القبض علي احد الخارجين علي الحكم الفاطمي ويدعي " أبو ركوة
", وامتد حكم الكنوز علي المريس أكثر من ثلاثين سنة في منتصف القرن الحادي
عشر الميلادي , وكانت عاصمتهم في أسوان , أما أهم المدن التابعة لحكمهم فكانت
باخوراس (فرس) و بريمس ( أبريم ) , وفي النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي
, قام كنز الدولة بغزو نوباتيا وتمتع باستقلالية محدودة بسبب استغلال حالة المجاعة
التي أصابت الدولة الفاطمية.
وارتبطت مملكة المقرة
بعلاقات جيدة مع الدولة الفاطمية , ورأت فيها الأخيرة حليفا جيدا لقلة
الحلفاء مع هذه الدولة الشيعية , واعتمد الجيش الفاطمي علي العبيد التي يرسلهم
ملوك المقرة , وانتعشت التجارة بين الطرفين , وكانت مصر ترسل للنوبة القمح والخمور
والكتان بينما ترسل النوبة العاج والماشية وريش النعام والعبيد.
العصر الأيوبي :
احتل الأيوبيون النوبة
لمدة ثلاثة سنوات في الربع الأخير من القرن الثاني عشر الميلادي , وبسبب ذلك هاجر
بعض بنو كنز إلي دنقلة في السودان , وتبدأ قصة غزو الأيوبيين للنوبة عندما أظهر
الكنوز ولاء للفاطميين , وقاموا بالهجوم علي الصعيد في مصر , فأرسل صلاح الدين الأيوبي
شقيقه الملك المعظم شمس الدولة توران شاه شقيق صلاح الدين الأيوبي الي المريس في
الربع الأخير من القرن الثاني عشر الميلادي , وقام توران شاه بهزيمة الكنوز ,
واستولي علي قصر أبريم وأسر عددا من النوبيين , وحول كنيسة العذراء مريم بابريم
إلي مسجد , وترك حامية بها تحت قيادة القائد إبراهيم الكردي والذي استطاع السيطرة
علي بعض المواقع النوبية في شمال السودان , ولكنه مات غرقا عام 1175 م بالقرب من
ادندان عندما كان يحاول عبور النهر عند فرس.
وبعد انسحاب الأيوبيين من
النوبة عاد الكنوز وحكموا الجزء الشمالي من المريس , وتركوا الجزء الجنوبي لمملكة
دوتاو المسيحية والتي تحكمت فيه لأكثر من ثلاث قرون , وكان مقر حكمهم في قسطل علي
الحدود المصرية السودانية.
No comments:
Post a Comment